كيف ينشأ المرض النفسي؟

يتسائل الناس كيف يُصاب الإنسان بالمرض النفسي ؟ ما هى الشروط و ما هى الأسباب ؟ من هم الأشخاص الأكثر عُرضة ؟ كل ذلك و أكثر فى هذا المقال …

معروف أن المرض النفسي هو نقيض الصحة النفسية.

فما هى الصحة النفسية أولاً ؟

الصحة النفسية هى قدرة الفرد على التوافق المرن مع المواقف التى يمر بها فى الحياة ،هذا التوافق يحدده قدرة الشخص على عقد صلات اجتماعية قوية مع غيره ، و قدرته على الأخذ و العطاء، و التعاون و التسامح مع الآخر، و التوافق مع الذات و صراعاتها و حاجاتها بحيث يعيش الفرد سعيداً راضياً عن نفسه و عن مجتمعه، ناجحاً فى حياته و عمله ، محبوباً من أسرته و أصدقائه و مجتمعه ، و عندما يعجز عن القيام بهذا التوافق سوف ينشأ المرض النفسي، والذي قد يظهر فى شكل أعراض نفسية و ذهنية مثل فقدان التركيز و صعوبة النوم أو كثرته أو الشعور بالضيق و التوتر و الخوف المستمر أو الشك المريب أو أعراض جسدية مثل عسر الهضم و انتفاخ القولون و التقرحات و غيره .

إذاً كيف يرتبط المرض النفسي بأسبابه؟

إذا عرفنا الأسباب استطعنا إلى حد كبير الإبتعاد عن المرض النفسي ، و هنا تكمن أهمية معرفة الأسباب ، و إذا نظرنا نظرةً موضوعية شاملة و متوازنة نجد أن “المشكلات النفسية” ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجوانب البيئية و الإجتماعية و الثقافية و الدينية للشخص .. و جدير بالذكر أن الوقاية من المرض النفسي تتضمن عدة خطوات هى : منع تعرض الفرد لأسباب المرض النفسي ، الإكتشاف المبكر للحالات المرضية ، بدء العلاج بمجرد اكتشافه ، تأهيل المريض نفسياً و اجتماعياً و اقتصادياً و ايجاد العمل المناسب لحالته لمنع حدوث انتكاسات مرضية و التى تعتبر أكثر النقاط صعوبةً فى الطب النفسي..

و من المبادىء الرئيسية فى الطب النفسي مبدأ تعدد مسببات المرض النفسي ، فمن النادر وضع أيدينا على سبب واحد معين لحدوث المرض كالوراثة أو صدمة نفسية أو غيرهما،و تحدث الأسباب نتيجة تفاعل قوى كثيرة و متعددة و معقدة ، داخلية فى جسم الإنسان (عضوية أو نفسية)و خارجية فى البيئة (مادية أو اجتماعية)، و لكن عموماً هناك نوعين رئيسيين من الأسباب هى :

أولاً : الأسباب المُهيئة

و هى الأسباب التى يُمهد وجودها مسبقاً لحدوث المرض النفسي و التى تجعل الشخص مُهيئاً و مُعرضاً للمرض إذا ما طرأ سبب مساعد (مُرسب) يُعجِل من ظهور المرض فى تربة أعدتها العوامل و الأسباب المُهيئة ، و التى من أهمها :

– الوراثة : فنجد أن الأمراض النفسية تزداد فى الأقارب من الدرجة الأولى للمريض النفسي و تزداد أيضاً فى التوائم المتشابهة و المختلفة .

– مراحل العمر المختلفة : مثل مرحلة المراهقة حيث يتواجد عدم اتزان فى مشاعر و احتياجات و توجهات الفرد ، و مثل فترة الإنجاب لدى السيدات التى يزداد فيها المرض النفسي لما فيها من اجهاد الحمل و الرضاعة و اضطراب الهرمونات الأنثوية. و مثل مرحلة الشيخوخة التى تزداد فيها نسب المرض النفسي نظراً لكثرة التغيرات الجسمانية و النفسية و الإجتماعية .

– الأسباب البيئية : مثل التعلق الشديد بالوالدين و التى قد تخلق شخصية تجنبية أو اعتمادية ، و مثل قسوة الوالدين فى التربية ، و مثل عدم التوافق و الإستقرار الأسرى ،و مثل شدة النظام و التى قد ينتج عنها مرض الوسواس القهرى .

– الحالة الإجتماعية : فالدراسات تُبين زيادة نسب الإضطرابات العقلية و النفسية بين أولئك الذين يعيشون فى عزلة اجتماعية و يرفضون الزواج و تكوين أسرة .

– العمل : ينبغى أن يكون العمل الذى يقوم به الفرد ملائماً لقدراته و مهاراته ، و ينبغى أن يكون للفرد علاقات طيبة بزملائه و روؤسائه كى يتجنب المرض النفسي .

ثانياً : الأسباب المُرسبة (المُساعدة)

و هى أسباب سابقة للمرض النفسي مباشرةً بشرط أن يكون الفرد مُهيأً للمرض النفسي ، أى لديه أحد الأسباب المُهيئة التى ذكرناها آنفاً ، لتكون تلك الأسباب كالقشة التى قسمت ظهر البعير ، نذكر من الأسباب المرسبة ما يلي :

– أسباب عضوية : مثل التهاب المخ ، اضطراب الغُدة الدرقية ، الفشل الكبدى أو الكلوى أو القلبي أو التنفسي ، إصابات الرأس ، المخدرات كالخمور و الأفيون ، نقص الفيتامينات .

– أسباب نفسية : مثل الصراع النفسي الشديد ، الخسائر كخسارة صديق أو مال أو ابن أو زوجة ، و الإحباط الشديد نتيجة عدم تحقيق هدف منشود، أو الحرمان من شىء كان يتمناه الشخص لنفسه (عقدة النقص) .

لنستخلص فى النهاية ما يلي : أنه لكي يظهر المرض النفسي لابد من تضافر الأسباب المُهيئة و الأسباب المُرسبة معاً ، فالعلاقة بينهما علاقة تكامل و تفاضل ،فنحن نجد أنه فى حالة وجود أسباب مُهيئة قوية يكفى سبب مرسب واحد و لو بسيط حتى يحدث المرض ، و أنه فى حالة وجود أسباب مُهيئة ضعيفة يلزم وجود سبب واحد مُرسب قوي حتى يحدث المرض .. و ختاماً فإن معرفة الأسباب هى أول طريق الوقاية من المرض النفسي.

بقلم د. صبحي زُردُق /استشاري المخ و الأعصاب و الطب النفسي

الكاتب : د.صبحي شوقى كاتب
اخبرنا شيئا عن نفسك.

إنضم إلينا وشارك!

إنضم إلينا الان
انضم إلى مجتمعنا. قم بتوسيع معرفتك وشارك أفكارك ومقالاتك!

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن