كيف نعالج المريض والمسحور والممسوس بالقرآن الكريم؟!

كيف نقرأ القرآن على المسحور ولا يحصل الشفاء؟! سألني هذا السؤال وهو في تعجب شديد، يصاحبه ألم يعصر قلبه، وحزن يهد أركانه، أليس القرآن كلام الله؟! أليس فيه الشفاء من كل داء؟! فكيف يقرأ على المسحور والممسوس والمحسود والمعيون ولا يحصل بذلك الشفاء، ولا يزول بذلك المرض؟! 

أثار هذا السؤال فضولي، بل أثار استفزازي، وقلت في نفسي: نعم، كيف يُقرأ القرآن على من تلبس به الجن مثلا فإذا به لا يشفى، ولا يخرج الجني من جسده، بل ربما راوغ الجنيُّ الشيخَ المعالجَ وعانده، بل ربما آذاه في نفسه أو أهله والمقربين منه! فأين إذن بركة القرآن وعظمته وجلاله وتأثيره؟! ولم يكن عندي حينئذ جواب! 

ثم وفقني الله تعالى، وأرشدني إلى جواب قنعت به نفسي، واطمأن إليه قلبي، وهو: أن القرآن فيه الهدى والعلاج والشفاء من كل الأدواء، مصداقا لقوله تعالى: “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين”، وقوله: “قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء”، ولكن العلاج وحده لا ينفع ولا يجدي، بل هناك عدة أسباب لا بد أن تتوافر حتى يتم الشفاء، وتزول العلة بإذن الله تعالى، وإن فقدت هذه الأسباب ربما تأخر الشفاء أو لم يأت أصلا! 

وأنا أضرب لك مثالا لكي يتضح المعنى، ويكون أكثر ظهورا وجلاء: المرض الجسدي له علاج معروف، وهذا العلاج نافع في نفسه، ومع ذلك قد لا يحصل الشفاء بهذا العلاج، وذلك لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بالطبيب، وبعضها يتعلق بالمريض. 

فمما يتعلق بالطبيب: أن يكون قليل العلم ضعيف الخبرة غير متمرس في هذا المجال، ومنها: التشخيص الخاطئ، فقد يشخص الطبيب المرض تشخيصا خاطئا، وبالتالي يعطي المريض علاجا غير مناسب، فلا يحصل الشفاء، وربما كان التشخيص صحيحا لكن أخطأ الطبيب في اختيار العلاج المناسب، أو تحديد الجرعة المناسبة لقوة المرض. 

ومما يتعلق بالمريض: أن لا يتناول المريض العلاج كاملا، فيأخذ بعضه ويترك بعضه، أو لا يتناول الدواء في ميعاده، وبالتالي لا يقاوم العلاجُ المرضَ فيتغلب المرضُ على العلاج. ومنها: أن المريض قد يتناول شيئا يضاد العلاج، كأن يتناول شيئا من المأكولات التي منعه الطبيب من تناولها، فإذا به يعاوده المرض بعد أن شفي أو كاد أن يشفى. ومنها: أن المريض قد لا يكون مهيئا نفسيا، وليس متماثلا للشفاء، وانعدام هذه القابلية قد يؤثر بالسلب، فلا ينفع معه دواء ويستحكم فيه الداء. 

وهكذا هو المرض الروحي، الذي هو عبارة عن سحر أو مس أو حسد أو عين له علاج، وهذا العلاج نافع مؤثر في نفسه بإذن الله تعالى، لكن هذا العلاج قد لا يجدي ولا ينفع بسبب بعض الأسباب المتعلقة بالمعالج أو بالمريض، كما ذكرنا في المرض الجسدي.

الأسباب التي تمنع حصول الشفاء بالقرآن أو تؤخره:

أ – ما يتعلق بالشيخ المعالج 

مما يتعلق بالمعالج وقد يكون سببا في عدم حصول الشفاء أو تأخره:

  1. أن ينسى الله تعالى، ويعتقد في نفسه القدرة على الشفاء، وهذا شرك والعياذ بالله. 
  2.  أن يكون ضعيف الإيمان، كثير الذنوب والمعاصي، فإن هذا يجعل أثر القرآن الخارج منه ضعيفا، بسبب ضعف إيمانه وكثرة آثامه، فكما أن السيف الحاد الصارم قد لا يقطع بسبب ضعف اليد التي تحمله، فكذلك القرآن إذا خرج من جوف خرب، ربما كان تأثيره ضعيفا، وربما انعدم تأثيره بالكلية.
  3.  أن يكون ضعيف العلم، قليل الخبرة في هذا الأمر، فمعالجة الأمراض الروحية أمر يحتاج إلى علم وبصيرة وخبرة وتجربة.
  4.  أن يقرأ من غير تفكر أو تدبر أو خشوع، فإن قراءة الغافل اللاهي جديرة بأن لا تؤتي ثمارها ولا يحصل بها شفاء، فالتدبر والخشوع هو المقصود الأول من القراءة. 

ب – الأسباب التي تتعلق بالمريض

ومن الأسباب ما يتعلق بالمريض ومنها: 

  1.  أن يعتقد في المعالج، فيظن أن الشيخ فلان هو الذي يأتي بالشفاء، وينسى أنه مجرد سبب، وأن الشافي هو الله تعالى، وهذا شرك أعاذنا الله منه.
  2. أن لا يكون مهيئا نفسيا للتعافي مما هو فيه، مما قد يعيق العملية العلاجية. 
  3.  أن لا يأخذ الجرعة المناسبة لدفع هذا المرض، فإنه كلما كان المرض قويا ومستحكما احتاج إلى جرعة كبيرة من العلاج، حتى يقوى العلاج على مقاومة المرض، فإذا ألزمه المعالج بأذكار وأوراد ثم لم يلتزم بها، فهو بهذا يساعد المرض في التغلب على العلاج، لأن العلاج قليل وضعيف ولا يقوى على مقاومة المرض. 
  4.  أن يتعاطى ما يضاد العلاج الروحي، بأن يستمع للغناء المحرم، وينغمس في الشهوات المحرمة، ويضيع الفرائض والواجبات، فلا شك أن هذا مما يقوي المرض الروحي، ويجعله يتغلب على العلاج القرآني. 

كل هذه الأمور قد تكون سببا في عدم الشفاء أو في تأخره، إذن فالخلل والنقص ليس في القرآن، ولكن في الشيخ الذي يعالج بالقرآن، أو في المريض الذي يُقرأ عليه القرآن بنية الشفاء، فلا تهملوا الأسباب التي جعلها الله _عز وجل_ سببا في الشفاء وزوال الأمراض، ثم تعجبون بعد ذلك من تأخر الشفاء، واستحكام المرض!  فالآفة من عند أنفسكم وليست في القرآن. 

والله _عز وجل_ بعد أن قال: “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين”، قال بعدها في ختام الآية: “ولا يزيد الظالمين إلا خسارا”. وفي الآية الأخرى قال: “قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء”، ثم قال بعدها مباشرة: “والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى”. فهذا يعني أن القرآن وإن كان شفاء وهدى، إلا أنه لا ينتفع به كل أحد، فلو زالت كل الموانع التي تمنع حصول الشفاء من المعالج والمريض، فربما حصل الشفاء في الحال بقراءة سورة الفاتحة فقط، كما حدث في قصة اللديغ، وهي قصة صحيحة معروفة، والله أعلم.

الكاتب : محمد جمعة كاتب
اخبرنا شيئا عن نفسك.

إنضم إلينا وشارك!

إنضم إلينا الان
انضم إلى مجتمعنا. قم بتوسيع معرفتك وشارك أفكارك ومقالاتك!

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن