كيف نجى اخر المماليك من مذبحة القلعة

سمعنا جميعا في صغرنا وقرأنا في مراحلنا الدراسية المختلفة عن ما يسمي بمذبحة القلعة أو “مذبحة المماليك”, والتي نفذها محمد علي وقام فيها بالتخلص من المماليك بعد أن قام بذبحهم جميعا.

ولكن ما لا يعرفه الجميع أو الغالبية العظمي هو أنه لم يمك جميع المماليك في هذه المذبحة كما ذكر, ولكن أيضا لم ينج منهم سوى مملوك واحد كان هو الأكثر حظا بين المماليك.

وليس الأكثر حظا فقط بسبب نجاته من مذبحة القلعة إنما لأسباب أخرى عديدة سنأتي لذكرها فيما يلى من أهمها أن هذه لم تكن المرة الوحيدة التي ينجو فيها من الموت, فدعونا نعرف من هو هذا المملوك. 

يدعي هذا المملوك “أمين بك, وهو أحد المماليك الذين حصلوا علي العفو من قبل الدولة العثمانية بعد دخول مصر وإعدام طومان باي, حيث قررت الدولة العثمانية في هذه الفترة عدم قتل كل المماليك لحاجتها لهم في حكم البلاد وأعمال دفع الجباية لذا قمت بالعفو عن صغار المماليك والذين كان منهم “أمين بك”

ثم في عام 1798م احتل نابليون مصر فحاول المماليك التصدي له في معركة إمبابة الشهيرة, لكن انتصر عليهم نابليون وقرر مطاردتهم لقتلهم. 

ليقرر حينها أمين بك الهروب سرا للشام وتحديدا لبنان, ليتعرف هناك علي أميرة لبنانية تدعي سلمي, ليقعا في غرام بعضهما البعض بعدها.

كانت سلمي وقتها تحت وصاية حاكم لبنان الأمير بشير, والمفترض أيضا أنه كانت مخطوبة لابن عمها. 

حينما وصلت الأخبار لأمين بك أن نابليون قام بمغادرة مصر اتفق مع سلمي علي الهروب الي مصر ولكن بأسماء جديدة وهوية جديدة.

ليتزوجوا بعد وصولهم مصر وتقوم سلمي بتغيير اسمها الي “جميلة”, بعد بضع سنوات أنجب منها أمين بك ولد وكانت حامل بالثاني, ليأتيه منشور في أحد الأيام بدعوة رسمية من محمد علي للعشاء بمناسبة خروج بن الملك للحرب, والتي قام فيها محمد علي بدعوة جميع المماليك. 

حينما وصل “أمين بك” إلى القلعة رأي موكب المماليك خارج ناحيته, وحينما اقتربوا من الباب رأي الحرس تقوم بإغلاقه أمامه ليسمع بعضها ضجيج وعويل وأصوات لطلقات النيران. 

بعدها وجد الحرس يتحركون باتجاهه ليدور بالحصان ويجري به بأقصى سرعة لديه تجاه سور القلعة, ثم قام بتغمية أعين الحصان بقماشة سوداء حتي لا يري من أين سيقفز, ليقوم بعدها بالقفز بالحصان من أعلي سور القلعة من ارتفاع شاهق وقبل أن يقع الحصان علي الأرض قام هو بالقفز من فوق ظهره لتخفيف الوزن. 

ليهرب بعدها لضواحي القاهرة ثم إلى بولاق ثم الصحراء والاحتماء بقبيلة من أحد قبائل العربان.

تم تسمية الحادث باسم “مذبحة المماليك والتي بلغ صداها كل مصر وقتها, أهدر وقتها محمد علي دماء كل المماليك وكنوزهم, ليس هذا فقط بل أيضا أباح لجنوده زوجات وبنات المماليك. 

وصل هذا الخبر لسلمي زوجة أمين بك لتظن أنه تم قتله ضمن المماليك الذين تم قتلهم بالمذبحة لتقوم بجمع أغراضها والهروب خارج مصر رفقة خادمها. 

وأثناء سيرهم بالطريق لا يعرفون وجهة محددة يذهبون إليها قامت سلمي بوضع مولودها الثاني والذي أسمته غريب.

وتاه من ابنها الأول والذي يدعي سليم في الصحراء, الأمر الذي جعلها تعود إلى لبنان مرة أخرى فلجأت للأمير بشير ولكن بهويتها الجديدة المستعارة “جميلة”. 

عاش أمين بك بالصحراء مع البدو وقبائل العربان متخذا لنفسه اسم سليمان, وكثيرا ما تمني أن يعود للقاهرة للاطمئنان علي زوجته وابنه ولكن كان هذا مستحيلا. 

ولحس الصدفة أو لحسن حظ أمين للمرة الثالثة رأي في أحد الأيام شاب صغير يسير بالصحراء وحوله بعض من قاطعي الطريق يريدون اختطافه, ليتدخل أمين ويقوم بإنقاذ الولد من بين أيديهم, ليظهر بعدها أن هذا الولد هو ابن الأمير بشير.

لذا أراد الأمير بشير أن يشكر أمين بك علي شجاعته ومروءته فشعر أن لهجته مصرية وليست بدوية, لذا أصر أن يعرف قصته الحقيقية والسر وراء وجوده بالصحراء. 

ليحكي له أمين بك كل شيء عن سره مأمنا له وطالبا منه أن لا يحكي هذا الأمر لأي شخص, وحينما عرف الأمير بشير بقصته عفا عنه وأيضا توسط له لدى محمد علي للسماح له للعودة للقاهرة للبحث عن أهله.

ليعود بعدها أمين بك للقاهرة ليبدأ بالبحث عن زوجته بكل مكان ولم يجدها, ليذهب بعدها للانضمام لقوات اسماعيل بن السلطان التي كانت متجهة للسودان متمنيا الشهادة.

في هذا الوقت وبعد عودة الأمير بشير إلى لبنان قام بسرد القصة أمام سلمي لتسقط علي الأرض مغمي عليها فربط بين القصتين. 

وحينما استفاقت أعطاها الأمير بشير الأمان لكي تحكي قصتها, وبالفعل حكت له قصتها الحقيقية ليقرر الأمير بشر العفو عنهم. 

ثم أرسل لأمين بك بالسودان أن يأتيه حالا إلي لبنان, ليذهب أمين ويجد زوجته وابنه, ليعرف ابنه للمرة الأولي أن له أب. 

ليعيش أمين وسلمي وغريب بعدها في لبنان لسنوات عديدة, وتوفت سلمي ليقرر بعدها العودة مرة أخرى للقاهرة. 

عمل أمين بك الألفي بالتجارة وكان وقتها بالرابعة والستين من عمره, ونظرا لذكائه فقد نجحت تجارته وزادت ثروته مرة أخرى ليتزوج من مصرية وأنجب منها أربع أبناء هم مراد ومحمد وأحمد وأمينة. 

وظل مقيما بالقاهرة حتي عام 1859م حتي صار كهلا ليصبح المملوك الأكثر حظا والناجي الوحيد من بين المماليك من مذبحة القلعة ومن قبلها من بطش نابليون ثم أخيرا من حرب السودان وعودته لزوجته.

الكاتب : أمير كاتب
كاتب ومؤلف لي العديد من الأعمال المنشورة ما بين كتب مقالية وروائية

إنضم إلينا وشارك!

إنضم إلينا الان
انضم إلى مجتمعنا. قم بتوسيع معرفتك وشارك أفكارك ومقالاتك!

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن