كيفية حماية المريض من خطأ الطبيب

كيفية حماية المريض من خطأ الطبيب

إن جسد الإنسان هو الوعاء الذى تسكن فيه النفس، وما أثمن من الحفاظ عليه، وكان تبعاً لذلك للجسد قدسية خاصة يمثل الاعتداء عليه جرماً.

لاشك أن الفطرة السوية تأبى الإعتداء على الجسد بأى شكل، إلا إذا جاء ذلك من قبيل التدخل لتطبيبه ، وأن الطبيب الحق هو رسول فى مهنته ، وقد كان صلى الله عليه وسلم طبيباً للقلوب والأبدان؛ فيشفى العليل بإذن الله وبوضع يده الشريفة موضع العلة أو الألم، وكان سيدنا عيسى – روح الله وكلمته – يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله .

أمام كل ذلك من أهمية للطب، وفى سببل إحداث توازناً فى حدود التدخل الذى قد تمليه هذه المهنة فى سبيل الإبراء والشفاء قد نظمت التشريعات وأولت اهتماماً بالغاً فى هذا الخصوص ؛ فالتدخل الطبى وما قد يشكله من خطر أحياناً ؛ مما يستلزم أن يُحاط المريض بسياج من الأمان أو الضمان – بداية – قبل حدوث التدخل ، ثم سياج آخر من جبر الضرر الذى قد يُلحق بالمريض نتيجة ما قد يسفر عنه هذا التدخل .

من خلال ذلك يمكن أن نتناول ونلقى الضوء على أوجه المسئولية التى يمكن أن تترتب فى حق الطبيب نتيجة حدوث خطأ وذلك وفقاً للأتى :

أولاً: المسئولية المدنية 

تتنوع أوجه المسئولية المدنية ما بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ، والأولى تقتضى مخالفة المتعاقد أحد بنود العقد أو أكثر بما يمثل اخلال بإلتزام أو أكثر من إلتزامات العقد ؛ فيترتب وفقاً لذلك مسئوليته العقدية ؛ أى التى مصدرها أدإخلاله بإلتزام أو أكثر من إلتزامات العقد، مما يقتضى التعويض، وسواء كان ذلك التعويض مقرر فى العقد ذاته ، وذلك بتضمين ذلك العقد بنداً يرتب التعويض فى حق من يخل بإلتزام أو أكثر من إلتزامات العقد ، وقد يتفق الطبيب والمريض على اتمام عملية جراحية فى مستشفى معينة وفى وقت معين إلا أن الطبيب قد يخل بإلتزامه قبل اجراء تلك العملية مما قد يرجئ تمامها فى الوقت المتفق عليه، وقد يسبب ذلك ضررا أو مضاعفات لذلك المريض ؛ فهنا تترتب المسئولية العقدية فى حق الطبيب، ومقتضى اعمالها أن يتم الزام الطبيب بتنفيذ عين الالتزام المتفق عليه – فيما يُعرف بالتنفيذ العينى –  إن كان ممكناً أو التعويض أو هما معاً .

على جانب آخر يوجد نوع من المسئولية المدنية يمكن أن يترتب فى حق الطبيب، وهذا النوع تمثله المسئولية التقصيرية ، تكون ناتجة عن تقصير وعدم اخذ الحيطة والحذر من قبل الطبيب – وعلى وجه الخصوص العلم بفنيات وطبيعة المرض والطرق العلمية التى تقتضى الإبراء منه بإذن الله، مما يسبب ضرراً للمريض يقتضى الأمر جبره ؛ فيكون وفقاً لهذه المسئولية قد حدث خطأ من قبيل الطبيب نتج عنه ضرراً ؛ فيتم ترتيب وإعمال قواعد المسئولية التقصيرية فى هذا الحال .

وأبعد من ذلك يوجد نوع آخر من المسئولية أوجده الفقه وهو المسئولية الموضوعية وهى تلك المسئولية التى تترتب بمجرد حدوث ضرر، ويستبعد وفقاً لهذا النوع من المسئولية وإعمال قواعده أن يُنتظر حدوث خطأ ؛ ولذلك فهذا النوع من المسئولية يُسمى بالمسئولية اللاخطئية نسبة إلى أنه لا يشترط لإعمال قواعدها – التى تقتضى التعويض أيضاً – حدوث خطأ، ولاذك أن هذا النوع الأخير من المسئولية يعتبر توسعة فى إعمال قواعد المسئولية المدنية ، وقد تبدو فوائدها فى المجال الطبى أن الطبيب يقتضى منه البحث والتحرى بدقة حول عوامل الإبراء قاصداً سبيل الله البارئ من وراء عمله ورسالته الساميه.

ومهما حدث من تطور فى المجال الطبى من تقنيات طبية تكنولوجية تم ادخالها فى هذ الحقل الطبى ، يمكن اسقاط قواعد المسئولية السابقة واعمالها على عمل الطبيب وبإستخدامه لتلك الأدوات والأجهزة التكنولوجية ، فالأخيرة لا تُخلى مسئوليته ؛ فعلمه بآلية عملها ومقصدها الطبى واجب ومفترض .

نود القول أن المسئولية المدنية ؛ حيث قد تترتب فى حق الطبيب ، قد تترتب المسئولية الجنائية فى حقه أيضاً إذا قصد الإضرار بالمريض ورتب فى حقه فعلاً يمثل جرماً وأتى بعيداً عن سبيل الإبراء .

إذن يكون تقرير قواعد المسئولية المدنية بصورها المختلفة من مسئولية عقدية وآخرى تقصيرية _ مع الأخذ فى الاعتبار أن قواعد المسئولية الموضوعية توسعة لتقرير المسئولية المدنية فى هذا الخصوص _ محققاً لحماية المريض فى مواجهة خطأ الطبيب، وتدارك له، وأن الطبيب إذا أراد تجنب ذلك فعليه أخذ الحيطة والحذر والتحرى بدقة عن عوامل الابراء وهو مقدم على ممارسة مهنته ، وهذا يمثل اجابة لتسلؤلنا عن كيفية حماية المريض من خطأ الطبيب ، مع اعتبار أن ذلك يدعو للبحث أيضاً حول مدى إلتزام الطبيب هل هو إلتزام ببذل عناية أم بتحقيق نتيجة ؟

ويقتضى ذلك تناوله فى موضع أو مقال آخر تستبين به الرؤية.

الكاتب : محمد مبروك كاتب
اخبرنا شيئا عن نفسك.

إنضم إلينا وشارك!

إنضم إلينا الان
انضم إلى مجتمعنا. قم بتوسيع معرفتك وشارك أفكارك ومقالاتك!

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن