لم يمض الكثير من الوقت ، على توقف المحاولات المتكررة و المستميتة ، لفرض الهيمنة الأممية على العالم ، وإجباره على التبعية الفكرية , وتشكيل عقيدته الجديدة , وكأنها صرخة أممية في وجه المجتمع الدولي , محملة إياه مسؤولية هذه المهادنة , ففي تلك الآونة الحرجة كانت المجتمعات تصارع (كوفيد -19) , ورائحة الموت تنبعث من كل مكان في أرجائها , ثم أعقب ذلك وتخلله , أزمة اقتصادية طاحنة , ألقت بظلالها على عالم يموج بالأحداث والمتغيرات , وما كاد العالم أن يستفيق من نكباته , حتى اعترضته تداعيات الحرب الروسية , سنوات عجاف يمر بها العالم , والتوترات قد تشتد وتشتد , وفي خضم هذه الأحداث تأبى الأمم المتحدة ان تغفو او يغمض لها طرف دون تنفيذ أجنداتها .
بدأت مرحلة تحضيرية بعد مهادنة , وباتت التحركات تتجاوز مرحلة السكون , وتشكلت ملامح مرحلة الاستعداد للانطلاق , وتحديدا في أبريل 2019 م، تمت دعوة الدول الاعضاء في الامم المتحدة للمشاركة في اجتماع لجنة الأمم المتحدة للسكان والتنمية , وذلك لتبني اعلانا يدعو إلى "التنفيذ الكامل والفعال والمسرع لبرنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 م , وربط هذا الاعلان بخطة تحقيق اهداف التنمية المستدامة لعام 2030م ." التي تنشدها الحكومات الدولية , مما يمثل دافعا من وجهة نظر الامم المتحدة لمشاركة الحكومات ولجميع الشركاء المعنيين , وهذا ماوصفه البعض بأنه عنوان مخادع وصورة مغايرة للواقع , فالحقيقة تتمثل في رغبة الامم المتحدة لخلق نوع من الزخم , بدعوة حكومات الدول من أجل الاجتماع لإحياء ذكرى اعتماد برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 1994م ، والاحتفال بالنجاحات التي حققها في تبني (المدخل الحقوقي ) .
وفي صبيحة يوم من أيام نوفمبر عام 2019م , أعلنت الأمم المتحدة جاهزيتها لحدث هام , معلنة أن كل الطرق الآن
تؤدي إلى نيروبي , لقد احتشد الآلاف من الناس هناك فما الخطب إذن ....
فالامم المتحدة كعادتها تحشد وتقود الوفود , وهي ايضا الداعم والموجه لاي تحركات على الارض , وبترتيب وتنسيق مسبق وباشارةمنها اعلنت حكومتا كينيا والدنمارك عن عزمهما مشاركة صندوق الأمم المتحدة للسكان , لعقد قمة نيروبي 2019م , تحت مسمى ( تعجيل تحقيق الوعد ) , بمناسبة مرور خمسة وعشرون عاما على عقد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994م ، وذلك لمطالبة الدول بخطوات جادة للوفاء بالتزاماتها التي صادقت عليها في مؤتمر 1994م , تحت شعار لا تراجع عن مبدأ الصحة والحقوق والخيارات الجنسية والإنجابية للجميع
فقد حددت الأمم المتحدة في قمة نيروبي 2019م , اتجاها واضحا للمسار إلى الأمام ، لتحقيق نتائج ملموسة للنساء والفتيات ، وضمان عدم تخلف أي شخص عن الركب خلال الدفعة الأخيرة حتى عام 2030م , ففي نيروبي ينبغي أن تواصل المسيرة تقدمها ، بل ينبغي أن تحث خطاها ،لسرعة الوصول إلى قاعدة ملزمة مفادها (الحرية الكاملة والمطلقة في الاختيار للأفراد والازواج فيما يتعلق بمتطلبات الخصوبة والجسد) .
وفي سبيل الوصول إلى قمة نيروبي 2019م , قدمت حكومة الدنمارك معظم الموارد المالية اللازمة , كما قدم مزيدا من الدعم المالي من قبل حكومات أستراليا وكندا وفنلندا وألمانيا وايسلندا وايرلندا وإيطاليا وهولندا والنرويج , وجمهوريات كوريا والسويد وسويسرا, وقدمت كينيا البلد المستضيف دعما عينيا كبيرا,و قدم الدعم أيضا من شركاء القطاع الخاص, كل من مؤسسة فورد ، والمواطن العالمي ، والخطوط الجوية الكينية ،والألعاب الاولمبية الخاصة ، ومكتب الأمم المتحدة للشراكات ، وجمعيات الشبان المسيحية في افريقيا .
و ميدانيا شهدت الطريق إلى نيروبي حراكا ، استهدف التسويق المجتمعي للقمة ، حيث أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان وسم (هاشتاج) # أشارك_في_مسيرة_لأجل(#IMarchFor ) وهي حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استقطبت 30 ألف شخص و15 مليون متابع نحو مناشدة عالمية لزعماء العالم كي يوفوا بوعود المؤتمر الدولي للسكان والتنمية ، وفي مقطع فيديو ملفت عرض في افتتاح القمة ، لعدة فتيات لونت وجوههن بأسلوب فني الالتزامات العالمية الاثني عشر التي وردت في بيان قمة نيروبي .
والجديد هنا في نيروبي , أن آلية التنفيذ مستحدثة , لم يوجد لها سابقة من ذي قبل , حيث قام صندوق الأمم المتحدة وشركاؤه بتقديم منحا دراسية لأكثر من 2000 شاب وشابة ، ونساء من المنظمات التي تعمل على مستوى القاعدة ، وزعماء تقليديين ، ومجتمعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية والميول الجنسية وحاملي صفات الجنسين وعديمي الجنس ، والأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية ، والأشخاص ذوي الإعاقات ، والمنحدرين من أصول أفريقية ، والسكان الأصليين ، والمنظمات المجتمعية , واشتمل طريقهم إلى نيروبي على تدريب ومجموعات أدوات وورشات عمل واستشارات ساعدتهم في وضع التزاماتهم الخاصة والاستفادة من مشاركتهم في القمة إلى أقصى حد ممكن .
وبالقراءة الواعية لآلية التنفيذ المستحدثة في قمة نيروبي 2019م , نجدها أنها استخدمت في بنودها مصطلح ( مجتمعات المثليات والمثليين ) , إشارة منها إلى إمكانية نزع اعتراف مجتمعي ودولي , بأن هؤلاء لهم (مجتمعات ) , مما يقضي بوجوب تقبلهم وعدم معاداة أفعالهم , وكذلك تدويل تلك المجتمعات والاعتراف بها ككيانات , واقعة داخل حدود الدول , فمن المنتظر ان ترى الشعوب , افرازات ماتدعو اليه الامم المتحدة في نيروبي ، على أراضيها حتى وان اختلفت تلك الإفرازات مع خصوصياتها الحضارية والثقافية .
يجب أن تكون مسجلا للدخول لتكتب تعليق.