الثابت والمتغير والمفاهيم الأخلاقية

تمر علينا السنون وتتغير المفاهيم وتأخذ المجتمعات ثقافات جديدة وتحل مكان تلك العتيقة وتتبدل بعدها مجموعة القيم الأخلاقية التي اكتسبها الأفراد على مر  هذه السنوات .

والدين يربط الناس بشئ ثابت لا يتغير مهما تغيرت حركة الحياة والوسائل التي يتعامل بها المجتمع الإنساني في كل زمان ومكان, وتلك خاصية الإسلام الكبرى أن ربطت المجتمعات بثوابت في خلالها وأوصافها لا تتغير ولا يمكن في العموم أن تتغير إلا من مجموعة تظهر عنادًا وعدم قبول لله والرسول ﷺ , ومع ذلك يترك الإسلام فرصةً كبيرة في إدارة الحياة بما يتناسب ويتوافق مع المعطيات المعاصرة والأبجديات الطارئة, تترك لهم الفرصة بما يتوافق مع المستجدات الحاضرة والمتغيرات المستقبلة.

انظر إلي المحرمات التي نص عليها الإسلام من الزنا والقتل وشرب الخمر وغيرها من المحرمات لو سألت عنها حتى المتلبسين بها لقالوا هي حرام, ومنذ دعوة الرسول ﷺ والمجتمعات الإسلامية تعرف حرمتها ولا يتغير هذا التحريم أبدًا, ويكون هذا من ثوابت الدين وتأتي المتغيرات في إدارة الحياة من طرق التواصل الحديثة والطرق والأساليب ومع هذا هي مرتبطة وصلتها وثيقة مع القيم الإسلامية والمفاهيم التي أرساها لنا الرسول الكريم ﷺ.

 وهنا نتنبه إلي ما جاءت به الأحكام الفقهية التي تغلق على المجتمعات كل التصرفات والممارسات الضارة التي تحرك المجتمع إلي الحقد والكراهية, منها مثلًا الغش والتدليس والخديعة في البيع والشراء وفي سائر الحياة, هذه الأحكام استمدها العلماء من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية, وحرمة الغش والتدليس أمر ثابت لن يتغير وتستمر حركة غلق الغش والتدليس حتى مع ظهور الوسائل الحديثة من البيع الإلكتروني والمعاملات التجارية عبر وسائل الإنترنت لتأخذ نفس الأحكام التي تكلم عنها علماء الإسلام في البيوع التقليدية وينصون على ضرورة الالتزام في عرض المنتجات وتحقيق المصداقية التامة مع الإجراءات الإسلامية في التسليم والتحصيل.

فهنا قيم ثابتة لا تتغير حتى لو تغيرت الوسائل الحديثة في شتى المجالات والأنشطة التي تسير عليها المجتمعات في كل زمان ومكان, والمجتمعات التي تمسكت بتلك الثوابت وبشكل عام الأخلاق الفاضلة والأحكام الفقهية الملزمة تغيرت حياتهم إلى الأفضل وأصبحوا في مكانة جيدة شريطة أن توازي بين الثوابت والمستجدات المعاصرة.

 فإذا ظهرت الفكرة بجلاء ووضوح فإن المعنى العام هو ربط الأخلاق والعقائد والأحكام بالثابت من الدين ومسايرة حركة الحياة وتطوراتها بما لا يتعارض مع تلك الثوابت أو  ينقض هذه العقائد.

ومع ذلك فلابد من التنويه على أمر  هام وهو في الذهن مرسوخ وفي القلب محفور وهو أن هذا الثابت لا يصدر عن آراء الرجال ولا أفكار المثقفين ولا انطلاقات المتحررين أو إلحاد الملحدين المعاندين, وإنما هو القرآن الكريم والسنة الصريحة الصحيحة من كلام الرسول ﷺ.

ولا يزال أقوام ممن تاهت عقولهم بين شتى الفكر تترنح بوجدانها قبل التلفظ بلسانها من أن الثوابت هي تلك العادات التي تربى عليها هؤلاء, وأن الحياة التي مارسوها في طفولتهم البائسة هي الحاكمة على مستقبل الأفراد والجماعات المعاصرة, ولا تزال أقلام تزين للمجتمعات أن المرأة تكشف عن ساقيها وترتمي في أحضان الرجال الأغراب ولا ينقص من جمالها ولا شرفها ولا عفتها شيئًا, ثم تستند على ما كان على ما هو كائن!

 إذ كيف ترتبط الأجيال المعاصرة والقادمة بالأخلاق والقيم الجمالية وأمثال هؤلاء يبيحون تلك الصور البشعة وينبحون لها, وهي التي لا يرضى عنها فصيل الكلاب ولا ترضاها سلوكًا كتائب الذئاب.

نحن نتكلم عن ثوابت الإسلام التي لا تتغير مع تغير الزمان والأحداث وربط الأجيال والمجتمعات به منذ نعومة الأظافر إلى فنائها بهذه الأحكام المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية, فهذه الثوابت ليست الأحكام الفقهية التي تستنبط حكمها من تلك النصوص وإنما هي تلك النصوص التي نستمد منها الأحكام الفقهية, والكلام في منتهى الوضوح والبيان لتلك الثوابت, والنص عليها صراحة بأنها آيات القرآن الكريم وصحيح السنة الشريفة.

 هذه الثوابت هي تلك الخطوط العريضة التي جاءت في الإسلام من الأحكام التي فرضها الله تعالى من أحكام المواريث وأحكام النكاح وأحكام الطلاق وأحكام الجهاد وأحكام العقود والعهود وكل ما حرمه الله تعالى في كتابة من القتل والزنا والسرقة وشرب الخمر والربا وعقوق الوالدين وغيرها من تلك الأحكام الثابتة التي لا تتغير ولا يمكن لها أن تتغير مع تغير الزمان ولا مع انفتاح العقول ولا انغلاقها بل هي آيات بينات في صدور المجتمعات الإسلامية لا تغيب عنها ما تعاقب الليل والنهار وسطعت شمس وخلفه ضياء.

تلك هي الكلمات الراشدة والتعبيرات الصادقة يتصادف فهمها من قراءة القرآن الفضيل والذي بدوره يرشد المشاعر الإنسانية ويذهب بها إلى الكمال البشري والإنسانية المفرطة, ويذهب بها بعد الكمال إلى الصور الذهنية التي لا تصدق في بعض المواقف لولا أن حكاها الثقات من أهل العلم والفضل والإخلاص.

الكاتب : ايهاب صلاح كاتب
اخبرنا شيئا عن نفسك.

إنضم إلينا وشارك!

إنضم إلينا الان
انضم إلى مجتمعنا. قم بتوسيع معرفتك وشارك أفكارك ومقالاتك!

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن